الجمعة، 23 مارس 2007

يوم الجمعة



يوم الجمعة يوم مختلف عن باقي الأيام
له طقوس خاصة تبدأ منذ الصباح الباكر

تستيقظ على صوت الغسالة الكهربائية ورائحة مسحوق الغسيل
قبل أن تبدأ إفطارك ثم تبدأ يومك باللعب أو مشاهدة فترة الرسوم المتحركة
فتبدأ روائح البخور تغزو أنفك الصغير بعد أن ملأت أرجاء البيت كله

وتبدأ طقوس الاستعداد للذهاب إلى صلاة الجمعة مع والدك
ولا أخطئ حين أقول أنها طقوس خاصة
كان والدي رحمه الله يرتدي البشت (العباءة) حين يذهب إلى الصلاة
وهو لا يرتديه إلا في المناسبات أو الأعياد أو صلاة الجمع فقط
ويضع دهن العود ويتبخر أيضاً
أما جدي رحمه الله فهو إضافة إلى البشت يعصب رأسه بعصابة بيضاء فوق الشماغ الأحمر
فجدي لم يكن يلبس العقال كمعظم كبار السن
لكنه في المناسبات يعصب رأسه بقماش أبيض تعمل عمل العقال في تثبيت الشماغ

أما أنا وأخي الأكبر فكنا نلبس ملابس نضيفه أخي يلبس الشماغ وأنا اكتفي بالطاقية
ثم نذهب سوياً بالسيارة قاصدين الجامع
وفي الطريق لا يتردد والدي في التوقف ليقل بعض المتجهين إلى الجامع مشياً بالسيارة معنا
ومعظمهم يكونون من العمالة الوافدة

نصل إلى الجامع قبل الآذان ووصول الخطيب بوقت كافٍ
نصلي تحية المسجد ونجلس في انتظار الخطيب
والدي يخرج من جيبه السواك ويدسه في فمه
أما أخي فيأخذ المصحف ويبدأ في القراءة بصوت منخفض
أما أنا فأتلهى بالنظر إلى المصلين والتلفت

كثيراً ما كان أخي ينهرني أثناء عودتنا في السيارة بعد الصلاة ويقول أنه لا ينبغي أن ألتفت إلى الناس في الصفوف الخلفية
كنت أتضايق من تأنيبه لي وأتطلع لوالدي استجدي المساعدة لكنه يبقى صامتاً كأنه لم يسمع حوارنا

في بعض الأحيان كنت أرى في المسجد بعض زملاء فصلي في المدرسة فنكتفي بتبادل الابتسامات أو الحركات
وفي بعض الأحيان نقرر أن نتجاهل بعضنا

يمر وقت طويل قبل أن يصعد الخطيب ويؤذن للصلاة
حتى أنني أذكر في بداية اصطحاب والدي لي لصلاة الجمعة كنت أمل سريعاً وأطلب من والدي أن ننصرف
فكان والدي يشير لي بالجلوس والتزام الصمت
وفي بعض الأحيان كان يرفض اصطحابي معهم للصلاة مذكراً أياي بتصرفي ذاك فكنت أعده بعدم تكراره

بعد أن يصعد الخطيب إلى المنبر ويؤذن للصلاة تبدأ الخطبة
وكنت في ذلك الحين أشعر أنها طويلة جداً
كنت في بعض المرات أعتقد أن الخطيب انتهى من الخطبة وأننا سنصلي لكني أفاجأ به قد عاد ليخطب مرة أخرى بعد فترة من الجلوس
حتى أنني فيما بعد حين حصلت على ساعة رقمية قمت بحساب وقت الخطبة فوجدتها لا تتجاوز 25دقيقة للخطبتين مجتمعتين لكن يبدو أنني كنت ملولاً وقتذاك

خطيبنا لم يكن يترك موضوعاً أو قضية إلا وطرحها في خطبه
من القضايا الاجتماعية والتربوية وحتى القضايا الاقتصادية والسياسية
كانت قضية فلسطين وأفغانستان وقتها من أكثر القضايا سخونة
فكان الخطيب يحث على الذهاب إلى أفغانستان للجهاد هناك
ويركز على فضائله ويحذر من تركه وأن من لم يحدث نفسه بالجهاد مات على شعبه من النفاق

كنا أطفالاً ونسمع ما يقوله خطيبنا وما يقال لنا في المدرسة وما يدور في المجتمع حولنا
لكنني كنت أتساءل في داخلي خاصة حين أشاهد موقع أفغانستان على الخريطة الكبيرة المعلقة في بهو مدرستنا
لماذا يذهب الجميع إلى أفغانستان ليجاهد هناك ولماذا لا يوجد أحد يذهب ليجاهد في فلسطين؟

تنتهي الخطبة ككل مرة بالدعاء
كان والدي وجدي رحمهما الله يرفعان كفيهما ويؤمنان ما يقوله الخطيب
وكنت أرفع كفي الصغيرين مثلهما
كان صوت تأمين المصلين يملأ المسجد ويملأ قلبي أيضاً رهبه

ثم نقوم أخيراً للصلاة
ويتقدم والدي دائماً للصف الذي أمامه فأتقدم معه وغالباً يمسك يدي حين يتقدم
ثم نصلي صلاة الجمعة

وحين تقضى الصلاة يبدأ المصلون بالخروج لكننا نبقى قليلاً للذكر والاستغفار ثم نصلي السنة الراتبة
وبعدها نخرج من المسجد ونعود إلى المنزل

وحين نعود تكون رائحة البخور مازالت تملأ البيت
ويحين وقت الغداء

ليست هناك تعليقات: