الأحد، 29 أبريل 2007

حكاية مدرسة أكرهها وصديق ساعدني على تحملها


الانتقال من المدرسة الابتدائية إلى المتوسطة كان صعباً
في المدرسة الابتدائية كانت البيئة مختلفة كثيراً
كانت مدرسة تتكون من طلاب ومدرسين
المتوسطة كانت مجرمين وسجانين
الفصول في المتوسطة كانت مكتظة بالطلاب
الطلاب كانوا خليطاً من أسوأ ما يمكن تسميته بالعرابجة
المدرسين كانوا يحملون العصي الغليظة أينما ذهبوا ويقودون بعصيهم الطلاب
بل يتلفظون عليهم بكلمات قاسية وأحياناً نابية تستغرب كيف تخرج من فم مربي
كانت صدمة لي
لم أتعود على هذه الأجواء في مدرستي السابقة حيث كان معظم من في المدرسة أولاد مرتبين ومؤدبين لا تسمع لهم صوتاً
وحيث كنا نقدر معلمينا ونجلهم ويبادلوننا حباً بحب واحتراماً باحترام
في الصف الذي قادوني إليه أجلسوني بجانب ولد شرس الملامح
نفرت منه منذ البداية وهو أيضاً لم يكن متقبلاً لوجودي بجانبه
كان أكبر مني وفهمت أنه عايد السنة لرسوبه في مادة واحدة
وكان ساخطاً على المدرس الذي رسب في مادته وفي كل مرة يراه يتمتم بعبارات سب أول مرة اسمعها في حياتي
كان من المدينة المنورة ويسخر دائماً من أهالي الوسطى ودائم الانتقاد لهم
لذا لم يكن يحظى بقبول في الصف
كان اسمه سلمان
زملائي الذين جاؤوا معي من مدرستي السابقة ذابوا وسط هذه المدرسة
بعضهم تأقلم سريعا مع جو المدرسة الجديدة وبعضهم لم اعد أراه
في الأيام الأولى لي في المتوسطة كنت احمل كتبي ودفاتري في شنطة لكنني اكتشفت أنني الوحيد الذي يفعل
كل الطلاب الآخرين يربطون كتبهم بربطة أو يلفونها بسجادة
حتى أني سمعت تعليق ساخر بأنني أبدوا كرجل أعمال رايح اعقد صفقة
لذا تخليت عن الشنطة واستبدلتها بربطة عادية
حاولت أن أتجاهل كل ما حولي وانتبه لدروسي
كنت مجتهداً دائماً في دروسي ولكن لم أكن متميزاً لأني كنت محاطاً بالمجتهدين
لكن هنا أصبح اجتهادي بارزاً
وقد لفت ذلك انتباه سلمان وارتاح إليه لأنه اعتبرني معيناً له في الواجبات والامتحانات
أنا طبعاً لم أمانع وكنت أعطيه دفاتري لينقل منها وأحياناً أدله على طرق أخرى لحل الواجبات لكنه كان يصر على النقل مني
وفي الامتحانات كان يطلب مني أن ارفع ورقتي ليراها لكنني لم أكن افعل
فقط اكتفيت بالسماح له بالنظر لورقتي وهو وشطارته
كنت أعود من المدرسة للبيت سيراً على الأقدام
لم يكن بيتنا بعيداً عن المدرسة فقط ربع ساعة أو عشر دقائق مشي
في طريق العودة كنت دائماً أرى سلمان أيضاً عائد للبيت
اكتشفت أنه يسكن في الحارة المجاورة لنا
كنت أراه يمشي عائداً للبيت فامشي ولا اكلمه كأنني لا اعرفه, وهو أيضاً لا يكلمني كأنه لا يعرفني
كأن معرفتنا فقط هي داخل أسوار المدرسة فقط
حتى جاء ذلك اليوم
كنا عائدين للبيت هو في طريقة وأنا في طريقي حتى شاهدت مجموعة من الأولاد (الأوغاد بالأحرى) يضربون ولداً صغيراً أجنبياً (غير سعودي)
كانوا أربعه تقريباً بعضهم شارك بالضرب وبعضهم كان يتفرج
لم يكن ضرب فقط بل كان تكفيخ وترفيس
والولد يحاول يصدهم عنه ويصرخ في وجوههم لكن الكثرة تغلب الشجاعة
لقيت سلمان متوجه لهم مباشرة وبدون ما يتكلم رفع الولد اللي كان طايح على الأرض وجمع كتبه المبعثرة وعطاها له ومسكه بيده ومشى معه مبتعداً عن الأولاد اللي كانوا يضربونه
والأولاد كانوا يراقبون بدون ما حد يسوي شيء
أنا شدني الموقف بصراحة واعتقدت انه سلمان يعرف الولد المضروب على الأقل
كان على الأرض في مكان الحادث دفتر من دفاتر ذاك الولد نساه سلمان حين جمع إغراض الولد على عجل ليبعده عن أولائك الأولاد
التقطت الدفتر ولحقت بـسلمان ومشيت جواره دون كلام
كان يسأل الولد عن اسمه عرفت عندها انه لا يعرفه مسبقاً وتدخل فقط بدافع إنساني
مشيت معهما دون كلام حتى ابتعدنا عن مكان أولائك الأولاد ثم تركنا الولد يذهب إلى منزله
سألت سلمان : ليش سويت كذا
قالي بابتسامه ساخرة: حرام يا شيخ شفت إيش سوو فيه هذولي اللبش
قلت له: كان ممكن أنت تتورط معهم في المضاربة وممكن تتأذى
لم يرد
ومشى في طريقة ولحقته مشيت معه
في ذلك اليوم فقط كشفت الوجه الذي لم أكن أراه في سلمان
منذ ذلك اليوم أصبحت امشي معه طوال طريق العودة للبيت وندردش بالطريق
تعرفت عليه أكثر
اكتشفت فيه شخصاً رائعاً وذواقاً غير الذي يبدو عليه أمام الجميع
كان يحب الأغاني خاصة الطربية فتعرفت من خلاله على أغاني أم كلثوم وشاديه ووردة الجزائرية وسواهم
ويعشق الأفلام المصرية خاصة أفلام أحمد زكي
وحين أقول له أنني اعشق الكرتون يسخر مني
كان يحلو له دائماً الحديث في السياسة التي لم أكن افهم فيها ذلك الوقت
وكان دائم الحديث عن الاختلاف بين البيئة في الحجاز ونجد
كنت دائما أدخل معه في نقاش حول ذلك وكان النقاش لا ينتهي
كان أكبر مني بعام واحد فقط لكنه بدا لي أكبر بسنوات عديدة بسبب ما يعرفه
وقد ساعدني كثيراً في التغلب على كرهي لهذه المدرسة
كنت اجهل معاني بعض الكلمات التي يتداولها الأولاد في المدرسة بل ربما كنت أردد بعضها بسذاجة دون فهم معانيها
فكان يبين لي معناها ويحذرني أحياناً من بعض الأولاد أو الذهاب إلى بعض الأماكن المنزوية المشبوهة في المدرسة حيث يحلو للأولاد المنحرفين تدخين السجائر وغيرها بعيداً عن رقابة المدرسين
أصبحت أذاكر مع سلمان وأساعده في بعض المواد التي كان يشكوا منها
وأحياناً اغششه
كان عصبي المزاج ويسهل استفزازه لكنه يحرص أن لا يبدو عليه ذلك فكان يرد بكلام هادئ جارح كالقنبلة تنفجر في وجه الخصم وكان يعجبني في ذلك
أحياناً كنت أتعمد استفزازه كي أوصله لهذه المرحلة فكان يضحك ضحكة عصبية ولا يرد
دامت رفقتنا سوياً طوال مرحلة الدراسة المتوسطة وانتقلنا سوياً إلى المدرسة الثانوية
هناك كانت الأوضاع أفضل بكثير فقد كانت مدرسة حقيقية وليست إصلاحية
فدرس معي عامين آخرين
في صيف عام 1993هـ توفي سلمان في حادث سيارة

الأربعاء، 25 أبريل 2007

حكاية مدرس يحبه طلابه

في السنة الثانية من المرحلة الابتدائية كان الأستاذ حمد يدرسنا جميع المواد
كان من أفضل المدرسين في المدرسة رغم أنه شاب حديث العهد بالتدريس
لكن كان له أسلوبا مميزاً في التدريس يجمع فيه ما بين التعليم واللعب
كان يجعلنا نقرأ قراءة جماعية وننشد وينشد معنا
وفي بعض الحصص كان يخرجنا إلى ساحة المدرسة لنأخذ الدرس هناك
وفي حصص العلوم كنا نجري التجارب في المختبر أحياناً أو في ساحة المدرسة
مازلت اذكر المنشور الزجاجي الذي نعرضه للشمس ليخرج منه ألوان قوس قزح
أو حين أشعلنا النار بواسطة عدسة مكبرة
أو المروحة ذات الأوان السبعة التي تصبح بيضاء
أو تلك البذور التي زرعناها في القطن وتركناها عند نافذة الصف
كان التدريس متعه لنا وله أيضاً
كثيراً ما اشعر أنه طفل مثلنا وتمنيت أن أصبح مدرساً مثله حين اكبر
في احد الأيام اتفق بعض الأولاد بالصف على عمل مقلب أنا ضحيته
كان الوقت ما بين الحصص ونحن بانتظار الأستاذ حمد
حين ناداني احد الأولاد من خارج الصف لأخرج إليه فخرجت ثم أغلق الطلاب الباب دوني وتركوني في الخارج
وكان الأستاذ قادماً فخجلت منه أن يراني خارج الصف لأنه عادة يوبخ الأولاد الذين يخرجون من صفوفهم
تقدم مني ووضع يده على كتفي ودخلنا الصف سويا وأنا مطرق الرأس ووجدته يوبخ الطلاب على هذا المقلب

وطلب منهم عدم تكراره مع احد
كنت سعيداً أنه فهم مقلبهم ولم يوبخني أنا أو ينظر لي نظرة تأنيب
في احد الأيام غاب الأستاذ حمد ولم يحضر إلى المدرسة وبقينا طوال اليوم بانتظاره دون اخذ دروس
وتكرر ذلك أيضاً في اليوم التالي
وفي اليوم الذي يليه أيضاً لم يحضر لذا قرر وكيل المدرسة أن يضم طلاب فصلنا مع طلاب الفصل الثاني لأخذ الحصص هناك
حملنا كتبنا وذهبنا إلى الفصل الثاني وجلسنا في مؤخرة الصف دون كراسي
شعرنا حينها أننا مشردون
الأولاد الذين يجلسون على الكراسي لا يكفون عن الالتفات لنا كأن وجودنا يضايقهم
بعضهم كان يصعر خده لنا بكبر
مدرسهم كان عصبي الملامح بعينين خضراوين وعنق احمر
حين دخل وقف جميع الطلاب ونحن جالسون في الخلف لا ندري ما نفعل حتى أشار لنا طالب في الخلف أن نقف أيضاً
حتى قال المدرس: جلوس
بعد أن جلس الطلاب نظر لنا نظرة خاطفة ثم بدأ بإعطاء الدرس
كان درساً متقدماً بالنسبة لنا حيث فاتنا يومين دراسيين دون اخذ دروس لذا كنا مشوشين
طلب في البداية أن يرى واجب الأمس وطلب ممن لم يحضر الواجب أن يقف
وقف بضعة طلاب ضربهم جميعاً بالعصا وبيديه وهو ينهرهم ويوبخهم
التفت لزملاء فصلي فرأيتهم خائفين مندهشين من أسلوبه الفض وقسوته في الضرب
كان يطلب من أحد الطلاب القراءة ويمر بينهم ليرى من لا يتبع بأصبعه مع من يقرأ
ومن يكتشف أنه لا يتبع كان يضربه بقوة على مؤخرة رأسه
أدهشني ما يفعل فلم أتعود أن أرى مدرساً يفعل هذا مع طلابه
أو بالأحرى لم يفعلها الأستاذ حمد معنا سابقاً
طلب من احد زملاء فصلي أن يقرأ الدرس فبدأ يقرأ
كان يتهجى الدرس لأنه لم يمر علينا سابقاً فكان كلما أخطأ في كلمه التفت عليه ذاك المدرس وصحح له الكلمة والشرر في عينه
"يابهيم بتعرفش تقرا متل الأوادم"
تشجع أحد طلاب صفي ووضح له أننا لم يسبق لنا أخذ هذا الدرس
"هاذي مشكلتكو أنتو"
" بدكم تلّحقو زمايلكو وتعوضو الدروس اللي فاتتكم"
" الدروس اللي راحت منَي فاضي اعيدلكم اياها"
ثم أكمل الدرس مع طلابه
وتبادلنا نحن النظرات وكأننا نتساءل جميعنا "أين الأستاذ حمد؟"
لم تمض دقائق حتى فتح الباب وطل منه الأستاذ حمد
لم نصدق كلنا
ركضنا جميعنا إليه كالسيل نعانقه
كان يبتسم بحزن عرفنا فيما بعد أن والده كان قد توفي
قال لنا أن نجمع كتبنا ونلحقه للصف
جمعنا كتبنا على عجل وألقيت نظرة على طلاب ذلك الصف
شعرت أنهم يتساءلون عن سبب حبنا لذلك المدرس
صعرت لهم خدي وأنا احمل كتبي
أما مدرسهم هم فقد كان واقفاً ينتظر انتهاء فوضى خروجنا من صفه البائس


الأربعاء، 28 مارس 2007

راعي غنم صغير


في طفولتي كان جدي رحمه الله يمتلك قطيعاً من الماشية

حين انتقل جدي وجدتي للاستقرار معنا في الرياض باع معظم ماشيته لكنه أبقى على بضعة رؤوس من الغنم واحضرها معه إلى الرياض
وأمام المنزل الذي نسكنه كان هناك مساحة من الأرض الفضاء أقام فيها جدي سوراً وضع أغنامه فيها
أما جدتي رحمها الله فواصلت تربية الدواجن الدجاج والأرانب في سطح بيتنا

لم أكن قد بلغت سن المدرسة عندها وكنت كثيراً ما أخرج مع جدي أو جدتي أو كلاهما لرعاية الأغنام
كانت الأرض الفضاء التي أمام منزلنا تنحدر قليلاً ثم يأتي وادي مليء بالمزارع والنخيل كان جدي ينزه أغنامه
هناك وكنت أرافقه أحيانا مع جدتي كنت أساهم في هش الأغنام واحمل عصا مثل جدي وأقلده فيما يفعل

في المساء كانت الأغنام تحلب وكنت أنا أراقب عملية الحلب حاولت مرة أتعلم لكنني فشلت
الحليب كانت جدتي تضعه في صميل وهو يشبه القربه مصنوع من الجلد المدبوغ وكانت تعلقه على حامل خشبي بثلاثة أرجل ثم تخضه وهي جالسه وبعد فترة طويلة من الخض تفتح القربه وتخرج الزبدة جانباً فيما يتحول باقي الحليب إلى لبن

حضرت أيضاً ذات مرة ولادة صخله صغيرة وقال لي جدي أنها لي
تابعتها وهي تخطو خطواتها الأولى وتتعثر, وكنت احملها وامسح على شعرها الأسود الناعم
بل كنت أرضعها أحياناً باستخدام الرضاعة الصناعية
لكنها كبرت بسرعة ولم يمر وقت طويل حتى انتفخ بطنها وأصبحت هي الأخرى حاملاً

عاني جدي كثيراً من المشاكل مع البلدية خاصة مع قيام الكثير من المباني حولنا وأيضاً سفلتت الطريق أمام بيتنا
في إحدى المرات دخلت بعض الأغنام عمارة تحت الإنشاء وصعدوا إلى الأعلى وانتحرت أحداها بان هوت من حالق
مجموعة أخرى من الأغنام التصقت بالقار الذي كان يسفلت به الشارع المجاور لنا اذكر وقتها أن جدي احظر مقصاً وحلق شعرها ليخرجها
دعك من شكوى بعض الجيران وأيضاً من أصحاب المزارع

أنا أيضاً عانيت بسبب الحيوانات من حساسية في الجلد والعينين مازلت أعاني منها حتى الآن
قلص جدي من أغنامه ولم يبقى إلا عدد محدود وضعها داخل البيت ولم يلبث فترة حتى تخلى عنها كلياً
من أطرف الأشياء التي كانت تحدث هو حين تصاب بعض الأغنام بعسر هضم أو تخمه بسبب كميات الشعير أو الزت التي كانت تأكلها
كان جدي حينها يحظر كرتون من زجاجات الببسي ويسقيها للغنم وأحياناً يغرها غراً
كنا أنا وإخوتي طبعاً نختلس بعض الزجاجات
كانت غابة الأسمنت حولنا ترتفع وتغيرت الأوضاع كثيراً منذ ذلك الحين

رحم الله جدي الذي علمني رعاية الغنم

الأحد، 25 مارس 2007

ياريت ماكبرنا



"
كان الهوا وكنا .. وكنتو تجو لعنّا شو ياللي غيرنا
صاروا يلومونا كل ماتزورونا ياريت ما كبرنا.."


كلما كبرت في السن أصبحت مطالباً بالتخلي عن ما تحب
حين يعبث أخوتك الصغار في ألعابك القديمة وتنهرهم تجد من يقول لك بأنه حان الوقت لتتخلى عنها لهم
لم يعد بالإمكان أن تلعب ألعاباً مشتركة بين الفتية والفتيات
مجلاتك القديمة تخفيها في صناديق كرتونية وتدسها في مكان مجهول بعد أن كنت تزين بها مكتبتك
وربما سمعت بعض التعليقات والانتقادات لأنك مازلت تشاهد فترة الكرتون

أنت مطالب منذ الآن في كل أمورك أن تتصرف كرجل
وهذا يعني أنه يتوجب عليك أن تودع كل ما كنت تفعله في طفولتك إلى غير رجعة
الكرتون, القصص والمجلات, الرسم, اللعب
أنت مطالب بأن تودع حياتك

في تلك المرحلة من العمر الواقفة بين الطفولة والشباب تجد نفسك مدفوعاً للترك مرحلة الطفولة
حين يقال لك انك طفل تعتبرها إساءة لك رغم أنك في داخلك تتمنى لو تبقى طفلاً لأطول فترة ممكنة
رغم ما يرافق ذلك من توق للوصول لمرحلة الشباب

تزداد طولاً ونحولاً ويتغير صوتك ويتغير جسمك وملامح وجهك
ويكون لديك حساسية تجاه كل كلمة ونظرة
تخشى من يحاول النيل منك بسبب هواياتك خاصة مشاهدة الكرتون أو القصص والمجلات التي تقرؤها
فمشاهدتها من وجهة نظرهم دليل على عدم نضجك وهو ما تحاول في هذا السن أن تثبت عكسه
فتخجل من أن تخبر الآخرين أنك مازلت تتابع نيلز أو الأحلام الذهبية
في وقت ما كنت كثيراً ما أتابع الكرتون بعيداً عن عيون الآخرين
أهرب إلى التلفزيون الموجود في ملحق البيت وأغلق الباب لأتابع ما أريد
وقد أحمل معي بعض من الشوكولاتة فلا يحلو الكرتون إلا بها
واخبي المجلات حين أشتريها في جيبي أو في كيس لا يبين ما فيه
في المدرسة المتوسطة يتحرج من هم في مثل سننا أن يقولوا أنهم ما زالوا يتابعون الكرتون
ومن يصرح بذلك يعتبر شجاعاً

أحد هؤلاء الشجعان ذكر أنه اليوم سيعرضون الحلقة الأخيرة من مغامرات نيلز

نظرات الاستغراب تحاصره من بقية الصبية واحدهم سأله هل تتابعه
آخر قال أنه مسلسل تافه وان جميع المسلسلات التي تعرض الآن تافهة وأنه يحب فقط المسلسلات القديمة
جرندايزر وجزيرة الكنز
أما أنا فجميل أني وجدت شخصاً استطيع الحديث معه عن ذلك المسلسل وغيرها
وأن أقلد أمامه صوت مورتن والثعلب ريكس وصوت نيلز وهو يركض لاحثاً من ملاحقة ريكس له


كلكما كبرت أكثر تزداد شجاعتك في التعبير عن حبك للكرتون
وتشاهده بصورة مختلفة عن السابق بسبب الخبرة التي كونتها في الحياة
وتكتشف فيها ما لم تكتشف سابقاً
تدرك أن ما كان يجذبك لها ليس محض طفولة
بل إبداع مجموعة من العباقرة لونوا لك طفولتك بألوان الفرح
وتعلمت منهم دروساً في الحياة ما كانت المدرسة ستعلمك إياها
إبداع لا يعرف عمراً
يزداد تقديرك له كلما قدم
وكلما كبرت
وكلما شاهدته أكثر


الجمعة، 23 مارس 2007

يوم الجمعة



يوم الجمعة يوم مختلف عن باقي الأيام
له طقوس خاصة تبدأ منذ الصباح الباكر

تستيقظ على صوت الغسالة الكهربائية ورائحة مسحوق الغسيل
قبل أن تبدأ إفطارك ثم تبدأ يومك باللعب أو مشاهدة فترة الرسوم المتحركة
فتبدأ روائح البخور تغزو أنفك الصغير بعد أن ملأت أرجاء البيت كله

وتبدأ طقوس الاستعداد للذهاب إلى صلاة الجمعة مع والدك
ولا أخطئ حين أقول أنها طقوس خاصة
كان والدي رحمه الله يرتدي البشت (العباءة) حين يذهب إلى الصلاة
وهو لا يرتديه إلا في المناسبات أو الأعياد أو صلاة الجمع فقط
ويضع دهن العود ويتبخر أيضاً
أما جدي رحمه الله فهو إضافة إلى البشت يعصب رأسه بعصابة بيضاء فوق الشماغ الأحمر
فجدي لم يكن يلبس العقال كمعظم كبار السن
لكنه في المناسبات يعصب رأسه بقماش أبيض تعمل عمل العقال في تثبيت الشماغ

أما أنا وأخي الأكبر فكنا نلبس ملابس نضيفه أخي يلبس الشماغ وأنا اكتفي بالطاقية
ثم نذهب سوياً بالسيارة قاصدين الجامع
وفي الطريق لا يتردد والدي في التوقف ليقل بعض المتجهين إلى الجامع مشياً بالسيارة معنا
ومعظمهم يكونون من العمالة الوافدة

نصل إلى الجامع قبل الآذان ووصول الخطيب بوقت كافٍ
نصلي تحية المسجد ونجلس في انتظار الخطيب
والدي يخرج من جيبه السواك ويدسه في فمه
أما أخي فيأخذ المصحف ويبدأ في القراءة بصوت منخفض
أما أنا فأتلهى بالنظر إلى المصلين والتلفت

كثيراً ما كان أخي ينهرني أثناء عودتنا في السيارة بعد الصلاة ويقول أنه لا ينبغي أن ألتفت إلى الناس في الصفوف الخلفية
كنت أتضايق من تأنيبه لي وأتطلع لوالدي استجدي المساعدة لكنه يبقى صامتاً كأنه لم يسمع حوارنا

في بعض الأحيان كنت أرى في المسجد بعض زملاء فصلي في المدرسة فنكتفي بتبادل الابتسامات أو الحركات
وفي بعض الأحيان نقرر أن نتجاهل بعضنا

يمر وقت طويل قبل أن يصعد الخطيب ويؤذن للصلاة
حتى أنني أذكر في بداية اصطحاب والدي لي لصلاة الجمعة كنت أمل سريعاً وأطلب من والدي أن ننصرف
فكان والدي يشير لي بالجلوس والتزام الصمت
وفي بعض الأحيان كان يرفض اصطحابي معهم للصلاة مذكراً أياي بتصرفي ذاك فكنت أعده بعدم تكراره

بعد أن يصعد الخطيب إلى المنبر ويؤذن للصلاة تبدأ الخطبة
وكنت في ذلك الحين أشعر أنها طويلة جداً
كنت في بعض المرات أعتقد أن الخطيب انتهى من الخطبة وأننا سنصلي لكني أفاجأ به قد عاد ليخطب مرة أخرى بعد فترة من الجلوس
حتى أنني فيما بعد حين حصلت على ساعة رقمية قمت بحساب وقت الخطبة فوجدتها لا تتجاوز 25دقيقة للخطبتين مجتمعتين لكن يبدو أنني كنت ملولاً وقتذاك

خطيبنا لم يكن يترك موضوعاً أو قضية إلا وطرحها في خطبه
من القضايا الاجتماعية والتربوية وحتى القضايا الاقتصادية والسياسية
كانت قضية فلسطين وأفغانستان وقتها من أكثر القضايا سخونة
فكان الخطيب يحث على الذهاب إلى أفغانستان للجهاد هناك
ويركز على فضائله ويحذر من تركه وأن من لم يحدث نفسه بالجهاد مات على شعبه من النفاق

كنا أطفالاً ونسمع ما يقوله خطيبنا وما يقال لنا في المدرسة وما يدور في المجتمع حولنا
لكنني كنت أتساءل في داخلي خاصة حين أشاهد موقع أفغانستان على الخريطة الكبيرة المعلقة في بهو مدرستنا
لماذا يذهب الجميع إلى أفغانستان ليجاهد هناك ولماذا لا يوجد أحد يذهب ليجاهد في فلسطين؟

تنتهي الخطبة ككل مرة بالدعاء
كان والدي وجدي رحمهما الله يرفعان كفيهما ويؤمنان ما يقوله الخطيب
وكنت أرفع كفي الصغيرين مثلهما
كان صوت تأمين المصلين يملأ المسجد ويملأ قلبي أيضاً رهبه

ثم نقوم أخيراً للصلاة
ويتقدم والدي دائماً للصف الذي أمامه فأتقدم معه وغالباً يمسك يدي حين يتقدم
ثم نصلي صلاة الجمعة

وحين تقضى الصلاة يبدأ المصلون بالخروج لكننا نبقى قليلاً للذكر والاستغفار ثم نصلي السنة الراتبة
وبعدها نخرج من المسجد ونعود إلى المنزل

وحين نعود تكون رائحة البخور مازالت تملأ البيت
ويحين وقت الغداء

الخميس، 22 مارس 2007

فترة الرسوم المتحركة

وقت عرض الرسوم المتحركة عصر كل يوم كان هو وقت الذروة أو البرايم تايم بالنسبة لنا
من أجل تلك الفترة نتحمل الاستيقاظ الباكر من النوم واليوم الدراسي الطويل والواجبات المنزلية الثقيلة
كنا نستعد لمشاهدة هذه الفترة ونتحضر لها بشراء الحلوى والشكولاتة والبسكويت والمشروبات الغازية والعصائر
تبدأ فترة الأطفال دائماً بمجموعة من الرسوم المتحركة الأمريكية المتنوعة يليها المسلسل الكرتوني المدبلج ثم تختتم ببرنامج أفتح ياسمسم أو أي برنامج تعليمي أخر تسمع والدتك تقول لك: هل حللت واجباتك وذاكرت دروسك؟ تدرك عندها أن متعتك اليوم قد انتهت وتتحرق لفترة البرامج في اليوم التالي التي تبدو لك بعيدة جداً بينك وبينها واجبات منزلية ونوم واستيقاظ ويوم دراسي طويل

المسلسل المدبلج كان هو لب فترة الرسوم المتحركة تلك لهذا قد تجدنا ندخر الحلوى المميزة لحين بداية المسلسل الكرتوني المدبلج لكي
تتضاعف المتعة

في سبيل الحرص على مشاهدة تلك الفترة قد ندخل في صراعات مع الأهل الذين لا يحلو لهم الخروج إلى السوق أو البر زيارة الأقارب سوى تلك الفترة
وكثيراً ماكنت أتهرب من تلك الطلعات من أجل مشاهدة فترتي المفضلة لكنني في بعض الأحيان كنت أجبر على الذهاب إجباراً
حتى أنني في بعض المرات بقيت في المنزل لوحدي بعد أن رفضت الخروج مع أهلي

في بعض إجازات الربيع وأثناء التخييم كنا نجبر أهالينا على تشغيل الماطور منذ العصر لنستطيع تشغيل التلفزيون ومشاهدة المسلسلات المدبلجة أذكر أنهم كانوا يعرضون مسلسل جونكر وبرنامج ملاعب الصغار
لم يكن أهالينا يعارضون لأنه ولحسن الحظ كان التلفزيون يعرض مسلسل بدوي عصر كل يوم من إجازة الربيع ومسلسل جونكر يليه مباشرة

مسلسل مدبلج واحد في اليوم مدته 24 دقيقة كنا نعيشه بجوارحنا 24 ساعة

الأربعاء، 21 مارس 2007

تقسيم أدوار


كنت كثيراً ما أجد حولي شخصيات تشبه الشخصيات التي أشاهدها في الرسوم المتحركة
في المدرسة كان هناك مدرس قصير نوعاً وجسمه ممتلئ
وجهه كان يخلو من الشعر لكن له سالفين طويلين يصلان لمنتصف خديه
كنت كلما رأيته أتذكر السيد تريلوني من جزيرة الكنز

مدرس آخر طويل ومائل للسمرة وكان شديد التهذيب وقليل الكلام
كنت كلما رأيته أتذكر القاضي ليفزي من جزيرة الكنز أيضاً

للأسف لم يكن هناك سيلفر
لكن كان هناك بوبي
أحد الطلبة في المدرسة كان يذكرني ببوبي بحركاته الحمقاء


أيضاً كنت أعرف ثلاثة أولاد من أقاربنا
احدهم طويل والثاني قصير والثالث سمين وكانوا لا يفترقون عن بعضهم
كلما شاهدتهم أتذكر فرفور وزعبور وشرشور من مسلسل سنان

في البيت كنا من شدة ولعنا بالرسوم المتحركة نقسم الأدوار بيننا
أخي الأكبر كان قد حجز دور دايسكي لذا منحوني دور كوجي
لم أكن راضياً بذلك لكنهم أقنعوني
في البداية لم أكن أحب كوجي كثيراً
أولاً هو لا يقود جرندايزر ثم أن صحنه الطائر كان بائساً
ليتني عرفت آنذاك أن كوجي هو صاحب البطل مازنجر ز لكنت رضيت
إضافة لذلك فكوجي يبدو أحمقاً في بعض الأحيان

لكنني تعلمت أن أحبه خاصة مع تطور أحداث المسلسل وبعد أن أصبح له طائرة متميزة
كما أنني اكتشفت شخصيته وأصبح يعجبني
لدرجة أني كدت أموت رعباً من الحلقة التي عنوانها اقتلوا كوجي كبوتو
إحدى شقيقاتي كانت قد اختارت دور ماريا أخت دايسكي
ذات مرة غضبت وحاولت ضربي لأن كوجي قام في إحدى الحلقات بقيادة طائرة ماريا

لا شيء أسوأ من سقوط أسنانك القديمة سوى ظهور هذين السنين الأبيضين الكبيرين
عندها تشعر أنك تشبه سنان